الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.نكبة تنكز ومقتله. كان تنكز مولى من موالي لاشين اصطفاه الناصر وقربه وشهد معه وقائع التتر وسار معه إلى الكرك وأقام في خدمته مدة خلعه ولما رجع إلى كرسيه ومهد أمور ملكه ورتب الولاية لمن يرضاه من أمرائه بعث تنكز إلى الشام وجعله نائبا بدمشق ومشارفا لسائر بلاد الروم ففتح ملطية ودوخ بلاد الأرمن وكان يتردد بالوفادة على السلطان يشاوره وربما استدعاه للمفاوضة في المهمات واستفحل في دفاع التتر وكيادهم ولما توفي أبو سعيد وانقرض ملك بني هلاكو وافترق أمر بغداد وتورين وكانا معا يجاورانه ويستنجدانه وسخطه بعضهم فراسل السلطان بغشه وأدهانه في طاعته وممالأة أعدائه وشرع السلطان في استكشاف حاله وكان قد عقد له على بنته فبعث داوداره باجار يستقدمه للأعراس بها وكان عدوا له للمنافسة والغيرة فأشار على تنكز بالمقام وتخليه عن السلطان وغشه في النصيحة وحذر السلطان منه فبعث الملك الناصر إلى طمشتر نائب صفد أن يتوجه إلى دمشق ويقبض عليه فقبض عليه سنة أربعين لثمان وعشرين سنة لولايته بدمشق وبعث الملك الناصر مولاه لشمك إلى دمشق في العساكر فاحتاط على موجوده وكان شيئا لا يعبر عنه من أصناف المتملكات وجاء به مقيدا فاعتقل بالإسكندرية ثم قتل في محبسه والله تعالى أعلم..وفاة الملك الناصر وابنه أنوك قبله وولاية ابنه أبي بكر ثم كجك. ثم توفي الملك الناصر محمد بن المنصور قلاون أمجد ما كان ملكا وأعظم استبدادا توفي على فراشه في ذي الحجة آخر إحدى وأربعين وسبعمائة بعد أن توفي قبله بقليل ابنه أنوك فاحتسبه وكانت وفاته لثمان وأربعين سنة من ولايته الأولى في كفالة طنبغا ولاثنتين وثلاثين من حين استبداده يأمره بعد بيبرس وصفا الملك له وولي النيابة في هذه ثلاثة من أمرائه بيبرس الدوادار المؤرخ ثم بكتمر الجوكندار ثم أرغون الدوادار ولم يول أحد النيابة بعده وبقيت الوظيفة عطلا آخر أيامه وأما دوادارية فأيدمر ثم سلار ثم الحلي ثم يوسف بن الأسعد ثم بغا ثم طاجارو كتب عنه شرف الدين بن فضل الله ثم علاء الدين بن الأمير ثم محيى الدين بن فضل الله ثم ابنه شهاب الدين ثم ابنه الآخر علاء الدين وولي القضاة في دولته تقي الدين بن دقيق العيد ثم بدر الدين بن جماعة وإنما ذكرت هذه الوظائف وإن كان ذلك ليس من شرط الكتاب لعظم دولة الناصر وطول أمدها واستفحال دولة الترك عندها وقدمت الكتاب على القضاة وإن كانوا أحق بالتقديم لأن الكتاب أمس بالدولة فإنهم من أعوان الملك ولما اشتد المرض بالسلطان وكان قوصون أحظى عظيم من أمرائه فبادر القصر في مماليكه متسلحين وكان بشتك يضاهيه فارتاب وسلح أصحابه وبدا بينهما التنافس ودس بشتك الشكوى إلى السلطان فاستدعاهما وأصلح بينهما وأراد أن يعهد بالملك إلى قوصون فامتنع فعهد لابنه أبي بكر ومات فمال من عماله بشتك إلى ولاية أحمد صاحب الكرك وأبى قوصون إلا الوفاء بعهد السلطان ثم رجع إليه بشتك بعد مراوضة فبويع أبو بكر ولقب المنصور وقام بأمر الدولة قوصون وردفه قطلوبغا الفخري فولوا على نيابة السلطان طقرد مر وبعثوا على حلب طشتمر وعلى حمص أخضر عوضا عن طغراي وأقروا كيبغا الصالحي على دمشق ثم استوحش بشتك من استبداد قوصون وقطلو بغادونه فطلب نيابة دمشق وكان يعجب بها من يوم دخلها للحوطة على تنكز فاستعفوه فلما جاء للوداع قبض عليه قطلوبغا الفخري وبعث به إلى الإسكندرية فاعتقل بها ثم أقبل السلطان أبو بكر على لذاته ونزع عن لملك وصار يمشي في سكك المدينة في الليل متنكرا مخالطا للسوقة فنكر ذلك الأمراء وخلعه قوصون وقطلوبغا لسبعة وخمسين يوما من بيعته وبعثوا به إلى قوص فحبس بها وولوا أخاه كجك ولقبوه الأشرف وعزلوا طقرد مر عن النيابة وقام بها قوصون وبعثوا طقرد مر نائبا على حماة وأدالوا به من الأفضل بن المؤيد فكان آخر من وليها من بني المظفر وقبضوا على طاجار الدويدار وبعثوا به إلى الإسكندرية فغرق في البحر وبعثوا بقتل بشتك في محبسه بالإسكندرية والله تعالى ينصر من يشاء من عباده..مقتل قوصون ودولة أحمد بن الملك الناصر. لما بلغ الخبر إلى الأمراء بالشام باستبداد قوصون على الدولة غصوا من مكانه واعتزموا على البيعة لأحمد بن الملك الناصر وكان يومئذ بالكرك مقيما منذ ولاه أبوه إمارتها كما قدمناه فكاتبه طشتمر نائب حمص وأخضر نائب حلب واستدعاه إلى الملك وبلغ الخبر إلى مصر فخرج قطلوبغا في العساكر لحصار الكرك وبعثوا إلى طنبغا الصالحي نائب دمشق فسار في العساكر إلى حلب للقبض على طشتمر نائب حمص وأخضر وكان قطلوبغا الفخري قد استوحش من صاحبه قوصون وغص باستبداده عليه فلما فصل بالجند من مصر بعث بيعته إلى أحمد بن الملك الناصر بالكرك وسار إلى الشام فأقام دعوته في دمشق ودعا إليها طقرمرد نائب حماة فأجابه وقدم عليه وانتهى الخبر إلى طنبغا نائب دمشق وهو يحاصر حلب فافرج عنها ودعاه قطلوبغا إلى بيعة أحمد فأبى فانتقض عليه أصحابه وسار إلى مصر واستولى قطلوبغا الفخري على الشام أجمع بدعوة أحمد وبعث إلى الأمراء بمصر فأجابوا إليها واجتمع أيدغمش وأقسنقر السلاري وغازي ومن تبعهم من الأمراء على البيعة لأحمد واستراب بهم قوصون كافل المملكة وهم بالقبض عليهم وشاور طنبغا اليحياوي من عنده من أصحابه في ذلك فغشوه وخذلوه وركب القوم ليلا وكان أيدغمش عنده بالإصطبل وهو أمير الماصورية وهم قوصون بالركوب فخذله وثنى عزمه ثم ركب معهم واتصلت الهيعة ونادى في الغوغاء بنهب بيوت قوصون فنهبوها وخربوها وخربوا الحمامات التي بناها بالقرافة تحت القلعة ونهب شيخها شمس الدين الأصبهاني فسلبوه ثيابه وانطلقت أيدي الغوغاء في البلد ولحقت الناس منهم مضرات في بيوتهم واقتحموا بيت حسام الدين الغوري قاضي الحنفية فنهبوه وسبوا عياله وقادهم إليه بعض من كان يحنق عليه من الخصوم فجرت عليه معرة من ذلك ثم اقتحم أيدغمش وأصحابه القلعة وتقبضوا على قوصون وبعثوا به إلى الإسكندرية فمات في محبسه وكان قوصون قد أخرج جماعة من الأمراء للقاء طنبغا الصالحي فسار قراسنقر السلاري في أثرهم وتقبض عليهم وعلى الصالحي وبعث بهم جميعا إلى الإسكندرية فيما بعد سنة خمس وأربعين وبعث لأحمد بن الملك الناصر وطير إليه بالخبر وتقبض على جماعة من الأمراء واعتقلهم ثم قدم السلطان أحمد من الكرك في رمضان سنة اثنتين وأربعين ومعه طشتمر نائب حمص وأخضر نائب حلب وقطلوبغا الفخر فولى طشتمر نائبا بمصر وقطلوبغا الفخري بعثه إلى دمشق نائبا ثم قبض على أخضر لشهر أو نحوه وقبض على أيدغمش وأقسنقر السلاري ثم ولى أيدغمش على حلب وبلغ الخبر إلى قطلوبغا الفخري قبل وصوله إلى دمشق فعدل إلى حلب وأتبعته العساكر فلم يدركوه وتقبض على أيدغمش بحلب وبعث به إلى مصر فاعتقل مع طشتمر وإرتاب الأمراء بأنفسهم واستوحش السلطان منهم انتهى والله أعلم.
|